الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقال صاحب اللوامح: بحذف الألف، وهذه تدل على كونه حرف جر يجر ما بعده.فأما الإله فإنه فكه عن الإدغام، وهو مصدر أقيم مقام المفعول، ومعناه المألوه بمعنى المعبود.قال: وحذفت الألف من حاش للتخفيف انتهى.وهذا الذي قاله ابن عطية وصاحب اللوامح: من أن الألف في حاشى في قراءة الحسن محذوفة لا تتعين، إلا أن نقل عنه أنه يقف في هذه القراءة بسكون الشين، فإن لم ينقل عنه في ذلك شيء فاحتمل أن تكون الألف حذفت لالتقاء الساكنين، إذ الأصل حاشى الإله، ثم نقل فحذف الهمزة وحرّك اللام بحركتها، ولم يعتد بهذا التحريك لأنه عارض، كما تنحذف في يخشى الإله.ولو اعتد بالحركة لم تحذف الألف.وقرأ أبو السمال: {حاشا لله} بالتنوين كرعيًا لله، فأما القراآت لله بلام الجر في غير قراءة أبي السمال فلا يجوز أن يكون ما قبلها من حاشى، أو حاش، أو حشى، أو حاش حرف جر، لأنّ حرف الجر لا يدخل على حرف الجر، ولأنه تصرف فيهما بالحذف، وأصل التصرف بالحذف أن لا يكون في الحروف.وزعم المبرد وغيره كابن عطية: أنه يتعين فعليتها، ويكون الفاعل ضمير يوسف أي: حاشى يوسف أن يقارف ما رمته به.ومعنى لله: لطاعة الله، أو لمكانة من الله، أو لترفيع الله أن يرمي بما رمته به، أو يذعن إلى مثله، لأنّ ذلك أفعال البشر، وهو ليس منهم، إنما هو ملك.وعلى هذا تكون اللام في لله للتعليل أي: جانب يوسف المعصية لأجل طاعة الله، أو لما ذهب قبل.وذهب غير المبرد إلى أنها اسم، وانتصابها انتصاب المصدر الواقع بدلًا من اللفظ بالفعل كأنه قال: تنزيهًا لله.ويدل على اسميتها قراءة أبي السمال حاشا منونًا، وعلى هذا القول يتعلق لله بمحذوف على البيان كلك بعد سقيا، ولم ينون في القراآت المشهورة مراعاة لأصله الذي نقل منه وهو الحرف.ألا تراهم قالوا: من عن يمينه، فجعلوا عن اسمًا ولم يعربوه وقالوا: من عليه فلم يثبتوا ألفه مع المضمر، بل أبقوا عن على بنائه، وقلبوا ألف على مع الضمير مراعاة لأصلها؟ وأما قراءة الحسن وقراءة أبي بالإضافة فهو مصدر مضاف إلى ألفه كما قالوا: سبحان الله، وهذا اختيار الزمخشري.وقال ابن عطية: وأما قراءة أبي بن كعب وابن مسعود فقال أبو علي: إن حاشى حرف استثناء، كما قال الشاعر:
انتهى.وأما قراءة الحسن حاش بالتسكين ففيها جمع بين ساكنين، وقد ضعفوا ذلك.قال الزمخشري: والمعنى تنزيه الله من صفات العجز، والتعجب من قدرته على خلق جميل مثله.وأما قوله: حاشى لله، ما علمنا عليه من سوء، فالتعجب من قدرته على خلق عفيف مثله.ما هذا بشرًا لما كان غريب الجمال فائق الحسن عما عليه حسن صور الإنسان، نفين عنه البشرية، وأثبتن له الملكية، لما كان مركوزًا في الطباع حسن الملك، وإن كان لا يرى.وقد نطق بذلك شعراء العرب والمحدثون قال بعض العرب: وقال بعض المحدثين: وانتصاب بشرًا على لغة الحجاز، ولذا جاء: {ما هن أمهاتهم إنْ أمهاتهم} وما منكم من أحد عنه حاجزين، ولغة تميم الرفع.قال ابن عطية: ولم يقرأ به.وقال الزمخشري: ومن قرأ على سليقته من بني تميم قرأ {بشر} بالرفع، وهي قراءة ابن مسعود انتهى.وقرأ الحسن وأبو الحويرث الحنفي: {ما هذا بشرى} قال صاحب اللوامح: فيحتمل أن يكون معناه بمبيع أو بمشرى أي: ليس هذا مما يشترى ويباع.ويجوز أن يكون ليس بثمن كأنه قال: هو أرفع من أن يجري عليه شيء من هذه الأشياء، فالشراء هو مصدر أقيم مقام المفعول به.وتابعهما عبد الوارث عن أبي عمرو على ذلك، وزاد عليهما: إلا ملك بكسر اللام واحد الملوك، فهم نفوا بذلك عنه ذل المماليك وجعلوه في حيز الملوك، والله أعلم انتهى.ونسب ابن عطية كسر اللام للحسن وأبي الحويرث اللذين قرآ بشرى قال: لما استعظمن حسن صورته قلن هذا ما يصلح أن يكون عبدًا بشرى، إنْ هذا إلا يصلح أن يكون ملكًا كريمًا.وقال الزمخشري: وقرئ {ما هذا بشرى} أي: بعبد مملوك لئيم، إنْ هذا إلا ملك كريم.تقول: هذا بشرى أي حاصل بشرى، بمعنى هذا مشتري.وتقول: هذا لك بشرى، أي بكرًا.وقال: وإعمال ما عمل ليس هي اللغة القدمى الحجازية، وبها ورد القرآن انتهى.وإنما قال القدمي، لأنّ الكثير في لغة الحجاز إنما هو جر الخبر بالباء، فتقول: ما زيد بقائم، وعليه أكثر ما جاء في القرآن.وأما نصب الخبر فمن لغة الحجاز القديمة، حتى أنّ النحويين لم يجدوا شاهدًا على نصب الخبر في أشعار الحجازيين غير قول الشاعر: وقال الفراء وهو سامع لغة حافظ ثقة: لا يكاد أهل الحجاز، ينطقون إلا بالباء، فلما غلب على أهل الحجاز النطق بالباء قال الزمخشري: اللغة القدمى الحجازية، فالقرآن جاء باللغتين القدمى وغيرها. اهـ.
وعن مجاهد متّكأً طعامًا يُحَزّ حزًا، كأن المعنى يُعتمد بالسكين عند القطع لأن القاطعَ يتكئ على المقطوع بالسكين، وقرئ بغير همز وقرئ بالمد بإشباع حركة الكاف كمُنتَزاح في مُنتزَح ويَنْباع في ينبَع وقرئ {مُتُكًا} وهو الأُترُجّ وأنشدوا: أو ما يقطع من متَك الشيءَ إذا بتكه إذا تكى: {وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا} لتستعمله في قطع ما يُعهد قطعُه مما قدّم بين أيديهن وقرِّب إليهن من اللحوم والفواكه ونحوها وهن متّكئات وغرضُها من ذلك ما سيقع من تقطيع أيديهن: {وَقَالَتِ} ليوسف وهن مشغولاتٌ بمعالجة السكاكين وإعمالِها فيما بأيديهن من الفواكه وأضرابها، والعطفُ بالواو ربما يشير إلى أن قولها: {اخرج عَلَيْهِنَّ} أي ابرُزْ لهن لم يكن عَقيب ترتيب أمورِهن ليتم غرضُها من استغفالهن: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ} عطفٌ على مقدر يستدعيه الأمرُ بالخروج وينسحب عليه الكلام أي فخرج عليهن فرأينه وإنما حذف تحقيقًا لمفاجأة رؤيتِهن كأنها تفوت عند ذكرِ خروجِه عليهن كما حُذف لتحقيق السُّرعةِ في قوله عز وجل: {فَلَمَّا رَءاهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ} بعد قوله: {قَالَ الذي عِندَهُ عِلْمٌ مّنَ الكتاب أَنَاْ ءاتِيكَ} وفيه إيذانٌ بسرعة امتثالِه عليه السلام بأمرها فيما لا يشاهد مضرَّتَه من الأفاعيل: {أَكْبَرْنَهُ} عظّمنه وهِبْن حسنَه الفائقَ وجماله الرائعَ الرائقَ فإن فضلَ جمالِه على جمال كلِّ جميلٍ كان كفضل القمرِ ليلة البدرِ على سائر الكواكب. عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «رأيتُ يوسفَ ليلةَ المعراج كالقمر ليلةَ البدر» وقيل: كان يُرى تلألؤُ وجهِه على الجُدران كما يُرى نورُ الشمس على الماء، وقيل: معنى أكبرْنَ حِضْن والهاء للسكت أو ضمير راجع إلى يوسف عليه السلام على حذف اللام أي حضْن له من شدة الشبَق كما قال المتنبي: {وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} أي جرَحْنها بما في أيديهن من السكاكين لفرْط دهشتِهن وخروجِ حركات جوارحِهن ومع ذلك لم يبالين بذلك ولم يشعُرْن به: {وَقُلْنَ حَاشَ للَّهِ} تنزيهًا له سبحانه عن صفات النقصِ والعجزِ وتعجبًا من قدرته على مثل ذلك الصنعِ البديعِ، وأصلُه حاشا كما قرأه أبو عمرو في الدرج فحُذفت ألفُه الأخيرةُ تخفيفًا وهو حرفُ جر يفيد معنى التنزيهِ في باب الاستثناء فلا يُستثنى به إلا ما يكون موجبًا للتنزيه فوضع موضعَه، فمعنى حاشا الله تنزيهُ الله وبراءةُ الله وهي قراءة ابن مسعود رضي الله عنه، واللام لبيان المنزَّه والمبرَّأ عز وجل كما في سُقيًا لك، والدليلُ على وضعه موضعَ المصدر قراءةُ أبي السمال {حاشًا} بالتنوين وقراءةُ أبي عمرو بحذف الألف الأخيرة وقرأةُ الأعمش بحذف الأولى فإن التصرّفَ من خصائص الاسمِ فيدل على تنزيله منزلتَه، وعدمُ التنوين لمراعاة أصلِه كما في قولك: جلست مِنْ عن يمينه.وقولُه: غدت مِنْ عليه منقلبُ الألف إلى الياء مع الضمير وقرئ {حاش لله} بسكون الشين إتباعًا للفتحة الألفَ في الإسقاط وحاش الإله، وقيل: حاشا فاعلٌ من الحشا الذي هو الناحية وفاعلُه ضميرُ يوسف أي صار في ناحية من أن يقارف ما رمتْه به لله أي لطاعته أو لمكانه أو جانبَ المعصية لأجل الله: {مَا هذا بَشَرًا} على إعمال ما بمعنى ليس وهي لغةُ أهلِ الحجازِ لمشاركتهما في نفي الحالِ وقرئ{بشرٌ} على لغة تميم و{بِشِرًى} أي بعبد مشترى لئيم، نفَين عنه البَشَرية لما شاهدْن فيه من الجمال العبقري الذي لم يُعهدْ مثالُه في البشر وقصَرْنه على الملَكية بقولهن: {إِنْ هذا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ} بناءً على ما ركَز في العقول مِنْ ألاّ حيَّ أحسنُ من الملك كما ركب فيها أن لا أقبحُ من الشيطان ولذلك لا يزال يُشبَّه بهما كلُّ متناهٍ في الحسن والقبح وغرضُهن وصفُه بأقصى مراتبِ الحسن والجمال. اهـ.
|